م ــــــلاذي .. ~

.๑. سريعة .๑.
" أعود لأكتب ، و أكتب لأعيش ، و أعيش لأحقق غاية الإله " أومي

لــقاء مع الماضي،، وفجاعة الحاضر

--------------------------------------------------------------------------------




لــقاء مع الماضي،، وفجاعة الحاضر

بقلمي

و أخيرا وصل القطار إلى محطته الأخيرة،،العاصمة،،كان الجو باردا وقطرات مطر قليلة تتساقط . نزلت من القطار وارتسمت على محياها ابتسامة راضية ،،رفعت يديها إلى الأعلى وهي تقول :

"اااه وأخيرا وصلت ،،ما أجمل هذا الجو "

أخرجت جوالها واتصلت بخالتها ،،كي تاخدها إلى البيت فقد كانت تلك المرة الأولى التي تزور فيها العاصمة .

"مرحبا خالتي ،،لقد وصلت ،أين انتظرك؟"

" يا الهي ،،لن استطيع القدوم إلا بعد ساعتين لدي اجتماع طارئ ،،أنا آسفة جدا"

"لا عليك خالتي استطيع تدبر أمري ،،حسن سأجلس في الكراسي العمومية ،،أمام المحطة مباشرة

إلى أن تصلي .."

"حسن أعتذر مجددا ابنتي ،،لا تذهبي إلى أي مكان ،،سأحاول الخروج باكرا "

تأملت المكان حولها ،،جلست على تلك الكراسي التي دائما ترحب بكل تائه في هذه المدينة الواسعة

أكلت كل الأكل الذي كان معها فقد استغرقت الرحلة قرابة السبع ساعات ...عادت للتأمل المارة ثانية

مختلفون هم ،، تسالت في نفسها { كيف لهم التعايش مع اختلافهم هذا ؟ اهو اختلاف محمود أم مذموم؟}

تذكرت فجأة روايتها التي بدأت تقراها ،،لطالما كان الكتاب صديقها ورفيق دربها منذ طفولتها ..استرسلت في المطالعة وغاصت في بحار تلك الرواية ،،لكن التعب أرهقها فقررت التوقف والنظر للناس مجددا..

اقتربت فتاة جميلة ،،شابة في العشرينيات من عمرها ،تحمل طفلا رضيعا تأملتها بحنان ،، ما أحن قلب الأم ...

أما هي فقد جلست بالكرسي الخلفي وهي تحاول إسكات رضيعها .

تابعت المطالعة بهدوء ،،لكن بكاء الرضيع منعها من التركيز و العيش في عوالم الرواية ..

قررت النهوض واستبدال المكان بكرسي آخر،،غير أن كافة الكراسي كانت مشغولة ،،تنهدت وقررت أن تتمشى ثم تعود بعد ذلك..

المشي في هذا الجو البارد أمر رائع ومنعش ،،ابتسامتها لم تفارق شفتيها ..بدت لها تلك الشجرة الكبيرة هناك ككرسي مريح ، أسرعت خطاها نحوها وجلست في إحدى غصونها ..دبت لها الحديقة مختلفة من تلك الزاوية ،،أشجار مهجورة وأوراق منثورة ،،وكرسي تجلس عليه تلك الشابة ورضيعها ..تأملتها جيدا ،ثم قالت بصوت شبه مسموع :

{-تبدو مألوفة لي،،لا بد أنني رايتها في مكان ما ،،ولكن أين،؟-}

بلغ فضولها مبلغه حينما عجزت عن تذكرها ..فقررت المرور أمامها كي تنظر إليها عن قرب

بدت كأنها عابرة عادية ، لكن عيناها الكبيرتان كانتا تنظران إلى وجه الفتاة بتفحص ، ذهبت ثم عادت ،عادت ثم ذهبت

وعقلها المتعب عاجز عن التذكر، لكن في ذهابها الأخير توقفت في نصف الممر الذي رسمته برجليها ..تجمدت أمام الأم مباشرة.فذاكرتها صرخت وشريط الطفولة يمر أمام عينيها كفيلم ،انتبهت الأم للفتاة ،نظرت إليها باستغراب قائلتا:

"عفوا أختي ،،هل هناك خطب ما؟"

تقدمت إليها بخطوات مترددة ،والدموع تكاد تسقط من عينيها . نهضت الفتاة الحنون وهي في قمة استغرابها

" هل أنت بخير ..هل استطيع مساعدتك؟"

نظرت إليها بحزن وفرح ، وقالت :

" لم تتغيري يا جيهان ..كما عرفتك دوما "

صعقت الفتاة ،وبدأت ذاكرتها بنفض غبار الماضي ونبش الذكريات

"ولكن هل يعقل انـ ،،" لم تكمل كلماتها ..لم تستطع ،خنقتها العبرة

"أجل أنا هي ،أنا من لعبت معها ،أنا من حلمت معها بان نكون متميزتين في حياتنا

أنا،، " ثم ارتمت إلى أحضانها ،وضمتها بقوة لدرجة أن الرضيع أخد يبكي

" اشتقت إليك جيهان ،،اشتقت لك كثيرا"

"وأنا كذلك مروى ..مر وقت طويل على آخر لقاء ولكنك لم تغيبي عن قلبي "

مروى وجيهان إذا، حكاية طفولة رائعة لكنها ناقصة،،لم يكتب لها أن تكتمل بسبب عمل الأهل.وهاهو القدر من جديد يجمعهما في الحديقة العمومية ،تماما كأول مرة ،حيث التقيا.

تحدثت الفتاتان قليلا عن أمور عادية ،لفت انتباه مروى ذلك الطفل المزعج ،نظرت إليه وقالت لجيهان

"هل هذا طفلك ؟" سألتها بنبرة صوت خائفة .

طأطأت جيهان رأسها قليلا ثم رفعته قائلتا:

" أجل مروى ..{تنهيدة} ..انه طفلي "

كانت تلك الكلمة كوقع السهم في قلب مروى ،تبعثر معه كل الماضي في ذهنها .نظرت إليها معاتبة

"هل تزوجت؟ هل نسيت الوعد؟"

وضعت جيهان الرضيع في المساحة الفارغة التي بينها وبين مروى فوق الكرسي ،تأملته بحنان وقالت :

"لا تسيئي الظن مروى ، لم انس الوعد، ولكنني أجبرت على ذلك "

"أجبرت كيف؟ "

" سأحك لك كل شيء صديقتي ، ولتكن البداية من النهاية ،أقصد نهاية علاقتنا ،بعد عام من رحيلنا عن المدينة

أصيب أبي بالسرطان في الدماغ ،وضع كافة أمواله في المستشفيات و الأدوية الغالية .بقي في المستشفى للعلاج مدة سنة لكنهم طردوه لعجز والدتي عن تدبر أمر الفاتورة ،المسكينة استنزفت كل ما لديها وكل معارفها اقترضت منهم وباتت في غارقة في ديون لا تنتهي وأبي كذلك ، كان قلبه متحطما وحزينا لما حصل لنا ،فقد بيعت الفيلا التي كنا نقطنها ،وبيع الاثات الفخم كذلك ولم يبقى سوى فراش رث في شقة صغيرة وضيقة لا تكفي أربعة أشخاص ، كان وضعنا مزريا .

كنا مدعاة للشفقة ، بعد ما طرد أبي من المستشفى والعمل .وتوفقه عن أخد الدواء ،أخذ المرض ينتشر في جسمه بسرعة البرق ،كنت دائما أدعو الله بان يشفيه وأحاول جهدي إدخال السعادة على عائلتي، أخي وليد قرر عدم ارتياد الجامعة التي كان يحلم بها في الخارج فأكمل دراسته في جامعة عادية كان يعمل ليلا ويدرس صباحا ...اشتد المرض على أبي كثيرا ، وأمي أيضا أصابها مرض القلب المزمن ، لكنها كانت تحاربه بابتسامتها وإيمانها بأنه اختبار من الخالق وانه لا بد من الليل كي يأتي النور ، مضت شهور عدة والحال على ما هو عليه ، إلى أن اقترحت صديقة والدتي الذهاب الى ذلك الرجل الذي يسمونه دار العطاء ،وذلك لكرمه ومساعدته للناس ...وبالفعل ذهبت والدتي لمقابلته ..

عدت أنا وأخي إلى البيت في ذلك اليوم الربيعي..حيث جمعتنا والدتي حول مائدة الغداء الفارغة من أي طعام ماعدا الماء ، نظرت إلينا والإعياء باد على وجهها الذي أصبح منكمشا بسبب ما عانته من ماسي وآهات

" اسمعوني جيدا،لقد زرت دار العطاء ،لقد رحب بي ،ووافق على طلبي في إقراضي المال الكافي من اجل المستشفى "

عانقت أخي وليد بفرح وصرخت يا لله ،، ستتحسن كل الأمور ،،غير أن استرسال أمي في ألحكي وبدأها بلكن جعلنا نتسمر ونحبط من جديد.

" لكن بشرط ،، "

أبي وأخي وأنا بصوت واحد " شرط ؟؟"

"أجل لقد اشترط علي ،،بــ ،، " بدت والدتي عاجزة عن نطق كلماتها تلك

" بشرط،،أن نزوجهم جيهان " ثم انهمرت دموع حارقة على خديها

انتفض أبي رغم ما به من الم " لالا ،، لا وألف لا ..إلا ابنتي "ثم غادر المكان وتبعته والدتي لتساعده .

أما أخي فقد غادر بغضب المكان وهو ويقول" لن نقبل ولسنا بحاجته "

وجدتني في الغرفة الضيقة هذه وحيدة ،كسيرة ،و إذا الحل بيدي ..أنا من سيحدد المستقبل لهم ،ثلاثتهم

إما الاستمرار على هذا الوضع المزري،وإما أن أضحي بنفسي وأحلامي ووعدي لك وطفولتي وكل شيء من اجلهم .

مرت الأيام الثلاثة ثقال علينا ،كنا كأننا متخاصمين لا احد يحدث الأخر ..قررت التفكير بجدية وحسم الموضوع

وفي اليوم التالي أعلنت قراري إمام عائلتي ..وقلت لهم أنني أريد الزواج انه الحل الوحيد

وافقوا بعدها مكرهين ،،وفعلا تمت الاتفاقية ،،هه أو بالأحرى تمت الصفقة ..أنا لابنهم الطائش المنحرف وهم بالأموال وكل ما تحتاجه عائلتي ."

"يا لهي ماذا عساي أن أقول "

" لاشيء سوى تقبل الواقع "

"حسن ماذا حصل بعدها ؟"

" ماذا حصل ؟،توفي والدي بعد شهر من زواجي ،ثم أمي بعد سنة ، أما وليد فقد ذهب إلى الخارج ليحقق حلمه وهو إلى الآن لم يعد ،لا شيء سوى معاناة أخرى من نوع أخر ، ضرب وشتم

كالخادمة أنا ، مجرد جسد ، لا تواصل بيننا ،لا من قريب ولا من بعيد

لا اعرفه ، كل ما اعلم عنه انه خائن وخسيس وسارق ومتمرد ولا رحمة بقلبه حتى تجاه ولده " وضعت يديها على وجهها وأخذت تبكي .

" آسفة ما كان لي أن اساللك ..أنا جد آسفة"

"لماذا تعتذرين على شيء لم تقترفيه ،مروى كم أنا بحاجتك " ثم ارتمت بحضنها وهي تبكي كطفل صغير بحاجة لوالدته الحنون.

" لا عليك لابد لليل أن ينجلي أليس كذلك ؟"

أبعدت جيهان جسمها عن مروى بسرعة ومسحت دموعها بسرعة ،ونهضت

استغربت مروى ردة فعلها ، نظرت إليها باستغراب ،إلى أن سمعت صورت رجل يقول:

" هيا بنا .."

استدارت مروى نحو مصدر الصوت ، هذا الصوت تعرفه جيدا ،هذا الصوت بالذات ،هو ،هو من أتمت معه طفولتها بعد رحيل جيهان عنها ،هو من عاشت معه أيما رائعة ،أطلعته على كل أسرارها وثقت به ،فأسرت له بوعدها وحلمها هي وجيهان وشاركها الحلم لسنوات .

نهضت بسرعة واستدارت لتتأكد من انها الحقيقة ،وأية حقيقة هذه ؟

" هل أنا غبية لهذه الدرجة ؟ هل أنا ساذجة؟"

ذرفت دموعا حارة لم تذرفها قبلا ، نظرت إليه واليها والى الرضيع ،ابتسمت بمرارة .أما هو فقد توقف الزمن أمامه ودارت به الدنيا

" مروى دعيني أوضح لك شيئا "

لازالت ابتسامتها على شفتيها الورديتين ،تأملت الخاتم الذي زين حياتها وعطرها ،أخرجته من أصبعها بهدوء وألقت به أرضا . توجهت بعينيها نحو صديقتها ،كانت تنظر إليها بنظرات فيها خليط أحاسيس مبعثرة ،تنهدت بصوت مسموع

ثم إلى الأمام سارت برجلين متعبتين مرهقتين ..أما جيهان فقد صرخت صرخات آهات من أعماق قلبها وراحت ..وهو جر خيوط الندم إلى ابعد مكان.. وبقي الرضيع على الكرسي يصرخ مستنجدا تحت ظلال شجرة زيتون خالية في تلك الحديقة العامة التي باتت ككهف مهجور منذ عصور خلت.

تمت

 

^__^

ملاذيات قديمة ~

Follow us

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner