بداية
صداقتنا كانت
بسيطة و
عادية،ربما ككل
الصداقات التي
تبدأ في
الثانوية، و
ما اهتممت
يوما لتلك
البداية بقدر
ما كانت
تهمني صداقتنا،
بقدر ما
كانت تهمني
هي.
انتقلت
من المدينة
المجاورة إلى
المدينة التي
كنت اقطن
بها، جاءت
في وقتها
المناسب، كانت
كالمطر النازل
على أرض
قاحلة انتظرته
بفارغ الصبر
لسنوات، ساقها
القدر أخيرا
إلي كهدية
أزين بها
هذا العالم
في هذا
الجنوب الذي
لم يأذن
لي بالرحيل
بعد .
تشابهنا
في تصرفاتنا،
اختلفنا في
الأحلام و
الطموحات و
نمط الحياة،
و كان
ذلك جوهر
نقطة الالتقاء،
اختلافنا كان
سر فهمنا
لبعضنا البعض
بمجرد نظرة،
كانت صديقتي
و كفى.
كنا
كثيرا ما
نتحدث عن
الدين و
السياسية و
الكتب بعيدا
عن أسوار
الثانوية ،
تحديدا في
بيتنا الذي
ما كان
يحد من
جموح رغبتنا
في المعرفة
و الاكتشاف،
أخبرتني أنها
غير راضية
عن حجابها
لطالما أعربت
عن رغبتها
في "الالتزام"
، و
لطالما كنت
اختلف معها
في تعريفها
لمفهوم "الالتزام"
، كنت
أراه بعينين
مختلفتين، كنت
أراه نجاحا
في أي
مجال من
مجالات العلم،
في التجديد،
في التغيير،
في مساعدة
المستضعفين، في
التنمية .. أما
هي فكانت
تراه في
اللباس . كنت
احترم وحهة
نظرها، أتفهمها،
أتقبلها أيضا،
و هي
كذلك كانت
تفعل .
ذات
مرة قالت
لي بصريح
العبارة أنها
تريد ارتداء
"الاسدال" و
بعدها سترتدي
"النقاب" ،
فوجئت بذلك
لوهلة، لكني
شجعتها على
هذه الفكرة
ما دامت
مقتنعة به
و تعرف
لماذا سترتديه
و ما
هي ملاقيته
من ردود
الأفعال، خاصة
عائلتها "المتحررة"،
أذكر أن
والدتي كانت
قد نصحتها
بان لا
تتسرع، و
أن تدرس
خطواتها جيدا،
وتبدأ خطوة
بخطوة حتى
تصل بأقل
الأضرار لمبتغاها.
لكنها رفضت
و أرادت
الوصول
إلى الدرج
الأعلى بخطوة
واحدة.
صدقا
لم أعر
اهتماما لكل
ما كانت
تقوله عن
هذا التغيير
في اللباس
الذي بدأ
يطرق على
سنديان عقلها،
ربما لأنني
كنت لا
أزال أرى
نفس اللباس
كل يوم
دون أي
تغيير ولو
طفيف، أو
ربما لأنني
كنت اخطط
لأشياء أخرى
كانت تبدوا
لي أهم،و
من الأولويات
بما كان.
حصلت
أشياء كثيرة
في تلك
الفترة، الحرب
على غزة
كان أبرزها،
كنت أتابعها
يوما بيوم،
اطمئن على
أصدقائي هناك،
و لم
يكن على
لساني سوى
غزة، أما
هي فقد
بدأت ترسم
في عالمها
أشياء أخرى،
أشياء لم
تكن تتماشى
و مبادئي
و بالرغم
من ذلك
كانت صديقتي
المقربة، كانت
نقطة الالتقاء
متماسكة جدا،
هكذا خيل
إلي ساعتها.
انتقلنا
إلى السنة
الأخيرة من
الثانوية، السنة
الحاسمة، السنة
التي اعتبرتها
"الفيزا" للخروج
من الجنوب
للأبد و
بالتالي ما
كان أمامي
سوى الدراسة
و أمري
لله، و
كما قدر
لنا الدراسة
في قسم
واحد قبل
سنتين، قدر
لنا ألا
ندرس في
نفس القسم
في أواخر
مرحلتنا الثانوية،
لكننا بقينا
على اتصال
دائم، زيارات
متكررة، مكالمة
هاتفية طويلة،
محادثة بالماسنجر
...
بقدرة
قادر لم
تجتز امتحان
الباكالوريا، القرار
الصادم، تعددت
الأسباب و
النتيجة واحدة،
لا باكالوريا
هذه السنة،
بالرغم من
أن السبب
الوحيد المقنع
بالنسبة لي
هو التهاون
أو اللامبالاة
لا غير
و كل
الأمور الأخرى
مجرد أعذار
لتنويم الضمير،
بعد المادة
الأولى اتصلت
بها و
يداي ترتجفان،
لم أكن
أعي سبب
ذلك، أذكر
أنني وبختها
كثيرا، لمتها
.. و لكنها
كانت قد
اقتنعت و
قررت فنفذت
و كلامي
مجرد ملح
زائد على
طعام حلو.
توادعنا
على أمل
أن نلتقي
مرة أخرى،
تواعدنا أن
نظل على
اتصال كما
كنا، ربما
الوعود في
لحظة وداع
لا يجب
أن تؤخذ
بعين الاعتبار،
على كل،
غادرت إلى
مدينة أخرى
كي أكمل
دراستي، انقطعت
عن الانترنت
و انشغلت
بالتجهيزات اللازمة
للحياة هناك،
من سكن
و أوراق
إدارية ...الخ
، لم
نتواصل خلال
تلك المدة
أبدا، مدة
تجاوزت الشهرين.
صديقتي كانت
تهوى تغيير
الجوالات و
الأرقام، و
بالتالي يصبح
الاتصال بها
كانجاز يستحق
التصفيق عليه.
تجاوز عدم
اتصالانا الشهرين
ليمتد إلى
أربعة أو
ثلاث ونصف
حتى بعد
استقراري لم
تكن تجيب
على أي
رقم أما
الفيسبوك فقد
اختفى فجأة
..
لكني
لم أكن
اعلم أن
صديقتي لن
تعود كما
كانت، فقد
تلقفتها جماعة
من تلك
الجماعات التي
تدرج نفسها
تحت "الجماعات
الإسلامية"،
حيث تتنشر
الأخوات و
الإخوة في
المجتمع البسيط،
لا يفصحن
عن أنفسهن،
ينظمن الجلسات
الدينية أو
ينضمن إلى
جلسات لا
تنتمي لأي
تيار، يشاركن
بآرائهن التربوية
أو المجتمعية،
يشاركن في
الأعمال الخيرية،
و ما
إن يطمئن
إلى بعض
الفتيات أو
النسوة حتى
يعلن عن
انتمائهن و
يقنعهن بالانضمام
إليهن ليصبحن
هن أيضا
من "الداعيات"
و هكذا
دواليك. لطالما
تساءلت لماذا
لا يفصحن
عن هويتهن
و انتمائهن
من اللقاء
الأول؟ لماذا
هذه المسرحية
الطويلة؟
تلك
الأقدار ثانية
التي تجمعنا
و تفرقنا،
عادت لتجمعنا
مرة أخرى،
رسالة من
حساب فيسبوكي
جديد، بعد
التحية و
السلام و
الأشواق و
العتاب أيضا،
ترسل لي
بصورة لها،
صورة فتاة
تضع النقاب،
تأملت تلك
الصورة كثيرا
بابتسامة عريضة،
هنأتها و
قلت لها
أخيرا يا
فتاة حققتي
شيئا تريدينه...
سألتني عن
أحوالي و
كيف أعيش
؟ بعدها
قالت لي
: تعالي اركبي
معي سفينة
النجاة؟
قرأت
جملتها ألاف
المرات، فاحت
رائحة مختلفة
في كلماتها،
شيء ما
تغير، شيء
ما اختفى
لتظهر صورة
أخرى، صورة
لا اعرفها
بعد. أجبتها:
عن أي
سفينة تتحدثين؟
-السفينة
التي ستأخذنا
إلى الجنة،
يجب أن
تركبي معي
الآن، لا
أريدك أن
تبقي هناك
في ذلك
العالم المتخبط،
سيجرفك الطوفان
حتما.
-و
هل تضمنين
لنفسك الجنة؟
أو النجاة؟
ثم هذه
السفينة من
صنعها و
من سيقودها؟
لم
تجبني، كان
الصمت و
الانتظار هما
الجواب المؤلم
.. كتبت لها
رسالة فيما
بعد " صديقتي
لا اعرف
ما الذي
حصل لك
بالضبط، و
لكني على
ثقة بأنك
تملكين عقلا
يستطيع التمييز
بين الصواب
و الخزعبلات،
منذ متى
كنا نضمن
لأنفسنا دخول
الجنة؟ إن
كنا لا
نضمن لأنفسنا
أولا فكيف
لنا ضمانها
للآخرين؟ يا
صديقتي حكمي
عقلك و
عودي إلى
الكتب و
اقرئي كثيرا،
ما هكذا
تتم" الدعوة"
و ما
هكذا يؤخذ
الدين .. كوني
بخير ،
أحبك" .
بعد
أيام ترسل
إلي: اسمعي
ما دامت
لا تريدين
فهذا خيارك
و تحملي
النتائج، أنا
لا استطيع
أن أصادق
صديقة فاجرة
مثلك اتسعت
بؤبؤه عيناي
عند كلمة
"فاجرة"
.. فاجرة ؟؟
أنا فاجرة؟
تساءلت..
-هل
أصبحت فاجرة
في نظرك
يا صديقة؟
-
نعم، لأنك
بعيدة عن
الهدي الصحيح
؟
-
و هل
الهدي الصحيح
يسمح لك
بان تنعتيني
بالفاجرة؟
-
لا تعقدي
الأمور ،
اختاري الآن
-
اعقد الأمور؟
هل يجب
أن ارتدي
النقاب حتى
ابقي على
صداقتنا؟
-يجب
أن تركبي
السفينة
-كفي
عن التكرار
كالببغاء، ما
الذي حصل
لعقلك بحق
الله
-اسمعي
أنت لا
تريدين النجاة،
سيتولاك الله،
ابتعدي عن
طريقي و
لا تتصلي
بي ثانية
يجب أن
اهتم بديني
.انتهى
-
يا سبحان
الله، ا
تنتهي صداقتنا
لهذا السبب؟
باسم الدين
تنهين صداقتنا..
فليتولانا الله
برحمته جميعا.
رددت: هكذا
فرقنا "الدين"
و الدين
منا براء.
أميمة